بناء الشخصية السوية أو المواطن الصالح.. منظومة متكاملة تتضافر فيها جميع مؤسسات الوطن.. من أسرة إلى مدرسة إلى

التعليم,رياضة,التجارة,العشوائيات,اكتشاف,الإعلام

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
السيد خيرالله يكتب:    بناء الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر

السيد خيرالله يكتب: بناء الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر

بناء الشخصية السوية، أو المواطن الصالح.. منظومة متكاملة تتضافر فيها جميع مؤسسات الوطن.. من أسرة إلى مدرسة إلى جامعة.. إلى مسجد وكنيسة إلى قنوات وثقافة إلى رياضة.. إلى فكر ونخب ومثقفين.. فعلى مدار خمسة عقود ماضية وصولاً إلى زوال عهد الإخوان المجرمين، غابت الدولة عن هذا البناء.. وانسحبت وتركت التدنى يستشرى.. والتطرف والتشدد ينتشر، ولم تكن لديها رؤية لمواجهة هذه التحديات.. فاستباح المتاجرون والاستهلاكيون والمتطرفون والانتهازيون عقل ووجدان المواطن، فغاب الوعى عن قطاع غير قليل وتسطح وجدان الكثير، فأفرزت هذه العقود ظواهر وسلوكيات وانحرافات وهبوطاً وتدنياً وابتذالاً وطفا على السطح بعض التمحيص فى دهاليز الأفكار والثقافات والفنون التى قدمت للمصريين فى العقود الخمسة يسوقنا بطبيعة الحال إلى حقيقة ما جرى وما يحدث من البعض الآن ومنذ يناير 2011 وأرى أن هذه الدراسة، والحرص على البحث والتحليل تمثل لى مرحلة التشخيص الدقيق لحالة الانسحاب التى كانت عليها دولة الخمسة عقود الماضية وتجاهلها البناء الفكرى والقيمى والثقافى والفنى والتعليمى للشخصية المصرية.. وبتحديد الأسباب التى أدت إلى هذه الحالة، يمكن البناء عليها والاستفادة منها فى وضع رؤية وروشتة العلاج والإصلاح والتى هى مهمة دولة بناء الإنسان الحالية.. وأرى أن هذه النقاط مهمة فى وضع الرؤية.

أولاً: اتجاه الدولة إلى الانفتاح عقب انتصار أكتوبر العظيم واتفاق السلام لم يكن محسوباً بشكل دقيق، ولم يكن واعياً بتداعيات هذا الانفتاح رغم أنه فى اعتقادى كان مهماً لكنه تجاهل المخاطر الفكرية والثقافية والفنية والسلوكية فلم توجد الدولة آنذاك بدائل للمواطن عن الثقافات المستوردة التى أفرزها الانفتاح ولم تملك الرؤية للحفاظ على الهوية والشخصية المصرية، فتمادت فى الاستهلاكية وانعكست لغة التجارة والمكسب والخسارة على السلوك والوجدان. ثانياً: تراجع دور المؤسسات الدينية فى تقديم خطاب يواكب تحديات العصر، دون تغيير أو مساس بالثوابت واحد من أهم الأسباب التى أدت إلى تنامى الفكر المتطرف والمتشدد والمغالاة وبالتالى العنف والإرهاب، وتجاهل الدولة فى بعض الوقت للتعامل الفكرى لهذه الظاهرة وعدم اقتصارها على الجانب الأمنى المهم أيضاً عدم الوصول إلى رؤية أو خطاب يتصدى لخطابات الجماعات المتطرفة والمتشددة التى أعلنت وكشفت بوضوح عن توجهاتها الإرهابية، وانتشرت هذه الجماعات تلتهم شبابنا فى القرى والنجوع والجامعات ومراكز الشباب وفى النقابات فى ظل استسلام من مؤسسات الدولة وكأن هناك اتفاقاً وهو ما ارتد إلى وجه الدولة ذاتها فى يناير 2011. ثالثاً: أدى تفاقم الزيادة السكانية وزيادة النمو السكانى على قدرات وموارد الدولة إلى حالة من العجز فى مواجهة هذا الحمل الجسيم، فانتشرت العشوائيات وانهارت الخدمات الصحية والتعليمية وارتفعت كثافات الفصول، وأدى عدم تطوير القطاع التعليمى ومواكبته لتحديات العصر الجديدة إلى تحويل التعليم إلى مجرد الحصول على شهادة ورقية لا تعكس مستوى وقدرات أصحابها أو نجاح وفشل العملية التعليمية فى تحقيق أهدافها رابعاً: تعرضت منظومة القيم المصرية لانتكاسة غير مسبوقة، فى ظل ما يقدم من فنون تسىء للشخصية المصرية، والدولة أيضاً، وتقدم إسفافاً وابتذالاً وتردياً وتسطحاً وتجارية مقيتة، واستهلاكية فى ترويج إثارة الغرائز والعرى والمشاهد الرخيصة، والمبالغة فى العنف والمخدرات والبلطجة، فها هى وصلت إلى درجة «الانحراف الفنى» وشهدنا أفلاماً تسوق الإجرام مثل «عبده موتة والألمانى وإبراهيم الأبيض» ثم أفلاماً تسىء للمجتمع والوطن مثل «دكان شحاتة وحين ميسرة» وأفلاماً تروج للخلاعة مثل موجة أفلام إيناس الدغيدى ناهيك عن الهبوط والتدنى الغنائى مثل أغانى المهرجانات والزار واهتزاز الأجساد بطريقة غريبة وشاذة، وأغانى التوك توك والميكروباص.. حتى أتينا بأجيال تشبه المسخ تعانى من التسطح الثقافى والفنى، وغابت فى الماضى برامج اكتشاف المواهب، ورعايتها واختفى زمن الفن الجميل، واختفت الرومانسية.. والمعانى الحقيقية للحب الذى فهم البعض معناه الحقيقى ليتحول إلى صفقات وخداع، واستخدام وأغراض، خالٍ من الوفاء والتضحيات والعطاء. مطلوب إعادة النظر، رغم فداحة النمو السكانى، وأن تعدادنا أكثر من اللازم بكثير، وإمكانياتنا ومواردنا محدودة وحالة الاستهداف الثقافى والفكرى الشاذ والغريب والمستورد لا تتوقف، لكن فى كل الأحوال علينا أن نسعى ونجتهد بالوعى والرؤى والإصلاح حتى نقضى على سلبيات الماضى، وميراث التدنى والانحراف والتسطح والابتذال.. نحتاج إلى العمق، باستعادة الأسرة الواعية، والتعليم المواكب بمدرسة تعد بديلاً للأسرة علماً وقيماً وأخلاقاً وتربية وعقلية ومسجد وكنيسة يقومان بدورهما فى احتواء الشباب وتوعيته وربطه بالدين السمح، وجامعة تكون منارة للعلم والعمل والأخلاق وفنون راقية تشكل الوجدان، وثقافة هادفة بلا انبهار بنماذج مستوردة أو غريبة لتساهم فى استعادة الهوية والشخصية المصرية، من خلال مواكب التنوير والتثقيف والإبداع فى كل ربوع البلاد لتخلق أجيالاً تدعم الوطن والمجتمع وتضيف له ولا تكون عبئاً أو خطراً على مستقبله. الابتعاد عن المظهرية فى الأداء بالتمسك بمشروع وطنى ثقافى فنى تعليمى دينى متكامل.. ينفذ بعناية ورؤية وإرادة قوية وإخلاء الشارع من مظاهر التدنى.. وخفض معدلات الاختلاط غير الحميد الذى أفرز ظواهر خطيرة وأن تكون الجامعات مراكز للتعليم والتعلم والتقدم وليست لمجرد المتعة والرفاهية والعلاقات وكأننا فى منتجعات غربية، لا أطالب بفرض نموذج على أحد، ولكن التخفيف من حدة الاختلاط، وأن نراقب أبناءنا ونقدم لهم النصائح ولا يخجل الإعلام فى ظل وطأة حملات الإباحيين والمنفلتين فلسنا مع المتطرفين والمتشددين والإرهابيين وفى نفس الوقت لسنا مع المهاجمين والمسيئين والرافضين الدين.. نريد أن نصل إلى النموذج المصرى للتدين الذى حمى وصان هذا الوطن على مدار التاريخ نريد الوسطية والاعتدال وليس الإسراف والتطرف فى أقصى اليمين أو اليسار. بناء الشخصية السوية منظومة شاملة ومتكاملة يساهم فيها الجميع منذ الصغر وحتى الشباب تتضافر فيها جميع مؤسسات الدولة وأيضاً المجتمع المدنى والمجتمع بأكمله من أسرة وتعليم وثقافة ودين وفنون ورياضة، ودولة تقدم لأبنائها الخدمات وتمكنهم من الفرص.. وتتيح لهم فرص التعليم والعمل والرياضة واكتساب المهارات كما تفعل الدولة المصرية الآن، وعلى مدار ٨ سنوات لكن الميراث كبير وثقيل ترسخ عبر ٥ عقود كاملة.